مهرجان شجرة أركان بأكادير 2025: احتفاء بالتراث الأمازيغي وتكريم لعمالقة فن الروايس

تستعد مدينة أكادير، القلب النابض لمنطقة سوس، لإطلاق حدث ثقافي هو الأول من نوعه تحت اسم "مهرجان شجرة أركان"، وذلك في الفترة الممتدة من 7 إلى 9 أغسطس 2025. لا يُعد هذا المهرجان مجرد تظاهرة فنية، بل هو احتفالية كبرى بجذور الهوية المغربية، حيث يجمع بين رمزية شجرة الأركان المباركة وعظمة فن الروايس، أحد أعرق الفنون الموسيقية الأمازيغية. في هذا المقال، نأخذكم في جولة معمقة لاستكشاف أبعاد هذا الحدث المنتظر، من تكريم رموزه إلى تسليط الضوء على نجومه.

شجرة الأركان: ما وراء الرمزية الاقتصادية والثقافية

قبل الخوض في تفاصيل المهرجان، من الضروري فهم المحور الذي يدور حوله: شجرة الأركان. هذه الشجرة، التي تعتبر تراثًا إنسانيًا عالميًا مصنفًا من قبل اليونسكو، ليست مجرد مصدر لزيت الأركان الشهير بفوائده الصحية والتجميلية. إنها تمثل نظامًا بيئيًا واجتماعيًا متكاملًا، وجزءًا لا يتجزأ من حياة سكان منطقة سوس ماسة.

• ثقافيًا: ارتبطت شجرة الأركان بالهوية الأمازيغية، وذُكرت في أشعار الروايس، وكانت مصدر إلهام للحكايات الشعبية والأمثال.
• اقتصاديًا: توفر مصدر رزق لآلاف الأسر، خاصة النساء اللواتي يعملن في تعاونيات استخلاص زيت الأركان، مما يمنحهن استقلالية اقتصادية.
• بيئيًا: تلعب دورًا حيويًا في مكافحة التصحر والحفاظ على التوازن البيئي في المناطق شبه القاحلة.

إن إقامة مهرجان يحمل اسمها هو اعتراف صريح بأهميتها الشاملة وتقدير للدور الذي لعبته في تشكيل ثقافة وتاريخ المنطقة.

دورة الحاج لحسن أخطاب: تكريم لأسطورة فن الروايس

تحمل الدورة الأولى من المهرجان اسمًا له وزنه وثقله في تاريخ الفن الأمازيغي: "دورة الفنان الحاج لحسن أخطاب". هذا التكريم ليس عشوائيًا، فالرايس لحسن أخطاب (المعروف أيضًا بلقب "أجماع") هو قامة فنية سامقة وأحد أهرامات فن الروايس. عُرف بقصائده العميقة التي تناولت الحكمة والفلسفة وقضايا المجتمع، وبألحانه الأصيلة التي حافظت على نقاء هذا الفن. تكريمه في الدورة الأولى هو رسالة واضحة من المهرجان: العودة إلى الجذور وتقدير الرواد الذين مهدوا الطريق للأجيال الحالية.

نجوم السهرة الكبرى: الحاج عبد السلام أمنتاك وأمينة توشعيبت

سيكون الموعد الأبرز ضمن فعاليات المهرجان هو السهرة الفنية الكبرى يوم الجمعة 8 أغسطس 2025، والتي ستجمع بين اثنين من ألمع نجوم فن الروايس المعاصرين، مما يخلق حوارًا فنيًا فريدًا بين جيلين من المبدعين.

1. الرايس الحاج عبد السلام أمنتاك: صوت الأصالة والقضايا الاجتماعية

يُعتبر الرايس عبد السلام أمنتاك واحدًا من أهم الأصوات في الساحة الفنية الأمازيغية الحالية. يتميز بقدرته الفائقة على كتابة "تِنْضَّامْت" (القصائد المغناة) التي تمس واقع المجتمع، وتتناول بجرأة مواضيع مثل الهوية، الغربة، والتشبث بالأرض. صوته القوي وألحانه المستلهمة من التراث الأصيل، مع لمسة عصرية في التوزيع، جعلته فنانًا محبوبًا لدى مختلف الأجيال. حضوره في مهرجان شجرة أركان يمثل استمرارية فن الروايس وقدرته على التجدد.

2. الرايسة أمينة توشعيبت: قوة الحضور وعذوبة الصوت

تُعد الرايسة أمينة توشعيبت من أبرز الأصوات النسائية في فن الروايس اليوم. بصوتها العذب وحضورها القوي على المسرح، استطاعت أن تفرض نفسها كنجمة في هذا الفن الذي كان لفترة طويلة حكرًا على الرجال. تتميز أغانيها بجمالية خاصة، وغالبًا ما تشارك في ديوهات (حوارات غنائية) ناجحة مع كبار الروايس، مما يضيف عمقًا وتنوعًا لأعمالها. مشاركتها تضمن أمسية فنية متكاملة ترضي جميع الأذواق.

أهداف المهرجان وأثره على السياحة الثقافية في أكادير

لا تقتصر أهداف مهرجان شجرة أركان على الجانب الفني فقط، بل تمتد لتشمل أبعادًا تنموية وسياحية هامة:

• الترويج للسياحة الثقافية: يسعى المهرجان لجذب الزوار المغاربة والأجانب المهتمين بالتراث والثقافة، مما يساهم في تنويع العرض السياحي لمدينة أكادير المعروفة بشواطئها.
• خلق منصة للفنانين: توفير فضاء للفنانين الأمازيغ لعرض إبداعاتهم والتواصل المباشر مع جمهورهم.
• التوعية بالتراث: تعزيز الوعي لدى الأجيال الشابة بأهمية تراثهم الثقافي، سواء المادي (شجرة الأركان) أو اللامادي (فن الروايس).

خلاصة: إن مهرجان شجرة أركان 2025 ليس مجرد إضافة جديدة لقائمة المهرجانات في المغرب، بل هو مشروع ثقافي متكامل يهدف إلى الاحتفاء بالهوية وتقدير الفن وتكريم الرموز. إنه دعوة مفتوحة لاكتشاف روح منطقة سوس، والاستمتاع بأعذب ألحان فن الروايس في قلب عاصمتها أكادير.